ليست المرة الأولى التي يقف فيها «وباء» ما، حائلا أمام إتمام نسك ديني، فالمراجع التاريخية الإسلامية وثقت العديد من الحالات والحوادث التي توقفت بسببها فريضة الحج، فضلا عن مواسم العمرة.
فقد توقفت مكة المكرمة عن استقبال الحجيج غير مرة، بسبب انتشار وباء في منطقة ينطلق منها حاج لأداء المناسك، ووثق التاريخ توقف أهل العراق عن الحج في مواسم عدة، وكذلك أهل اليمن والشام والحجاز، إذ كان الناس -إذ ذاك- يتداولون أخبار الأوبئة المنتشرة في منطقة ما، ويباشرون إجراءات عزلها، إما بقرار من الحاكم، أو تلقائيا كفعل جمعي اعتادوا عليه.
ولا يظنن ضان أن مكة والمدينة في مأمن من مخاطر الأمراض والأوبئة، فقد أكدت مصادر تاريخية عدة، أن الأوبئة داهمت المدينتين المقدستين غير مرة حالها كحال بقية بقاع الأرض، والأمثلة على ذلك كثير، فقد ذكر ابن كثير فى «البداية والنهاية»، أن داء «الماشرى» انتشر فى مكة عام 357 هجرية، وباغت الحجيج وهم في طريقهم لأداء المناسك، ولم يعد منهم سوى نفر قليل، حيث قضى معظمهم في مكة والمشاعر المقدسة.
وشهدت المدينة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب وباء قاتلا، ويروي البخاري عن أبي الأسود قوله «أتيت المدينة وقد وقع بها مرض والناس فيها يموتون موتا ذريعا».
وعندما قررت السعودية تعليق الدخول إلى المملكة لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف مؤقتاً، بسبب انتشار فايروس كورونا الجديد، انطلاقا من حرصها على تطبيق المعايير الدولية المعتمدة، ودعم جهود الدول والمنظمات الدولية لوقف انتشار الفايروس ومحاصرته والقضاء عليه، وتوفير أقصى درجات الحماية لسلامة المواطنين والمقيمين وكل من ينوي أن يفد إلى أراضي المملكة لأداء مناسك العمرة أو زيارة المسجد النبوي أو لغرض السياحة، فإنما تجسد آليات معتمدة دوليا للتصدي لانتشار الأوبئة، وتطبق منهجا إسلاميا أصيلا في التعاطي مع هكذا حالات، فقد أقر الإسلام العزل أو ما يعرف بالوقاية والحجر الصحي انطلاقا من توصية نبوية «لا يوردن ممرض على مصح، وإذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها».